فعالية منصات التواصل الاجتماعي في تشكيل الوعي الديني لدى الشباب الفلسطيني

المؤلف

أستاذ الإعلام المساعد ورئيس قسم الإعلام والفنون التطبيقية كلية فلسطين التقنية

المستخلص

يعد الاتصال الإنساني فطرة فطر الله عليها البشرية مند نشأتها الأولي، ومضت سيرة الحياة الإنسانية ضمن سلسلة علاقات متعددة تقوم على اتصال الإنسان بالإنسان أفراداً وجماعات وأمم، حتى أمكن تنظير هذه الفطرة ضمن سلسلة من العلوم والمعارف كان منها الإعلام. ففي مجال وسائل الإعلام لا سيما شبكة الإنترنت التي قرَّبت المسافات بين المرسل والمستقبل ليس فقط في تكوين صداقات عبر تلك الشبكة ولكن أيضاً فتح المناقشات حول القضايا المختلفة والتعليق عليها، وتبادل الصور وملفات الفيديو مما يكون لها تأثير فورى ومباشر على كل من يستخدم منصات التواصل الاجتماعي التي تنتشر عبر شبكة الإنترنت للاطلاع والمعرفة وتبادل الخبرات والرأي (عبد الله ويعقوب، 2014م، 163).
ونتيجة لهذه التطورات التكنولوجية المتلاحقة والمتزايدة والمتسارعة، ومن أهمها الثورة المعلوماتية، وثورة تقنيات وتكنولوجيا الاتصال التي طرأت في مجال الاتصال التي ساعدت على ظهور منصات التواصل الاجتماعي، حيث تشكل أداة جديدة من أدوات الاتصال والتواصل بين مستخدمي تلك المنصات، بخاصة وأن مثل هذه التطورات قد فتحت آفاقاً جديدة وأبواباً متعددة للتنمية ولجسر الهوة بين المجتمعات المتقدمة تقنياً والأخرى التي لم تتمكن من اللحاق بهذا الركب؛ وظهرت على السطح، وفي العديد من المقالات والاستراتيجيات مصطلحات جديدة منها "مجتمع المعرفة" و"مجتمع المعلومات" و"المجتمع الرقمي" وحتى "عالم الديجيتال"، وامتد دور تلك المنصات حتى أصبحت منبراً للجميع، حيث فرضت نفسها كأكثر الوسائل استخداماً في التواصل البشري، إذ توغلت في حياة المجتمعات البشرية بل أصبحت سمة من سمات الإنسان المعاصر، ومن هنا لا بد من الاستفادة القصوى من هذه المنصات الاجتماعية والأكثر استخداماً من قبل الشباب في نشر الوعي بمختلف جوانبه السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية والدينية (عطية، 2017م، 20-21).
لقد استحوذت منصات التواصل الاجتماعي على عقول كثير من الأفراد، وبخاصة الشباب منهم، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أسلوب حياته فبات بعضها من أكثر المواقع زيارة في العالم، حتى إنها أصبحت تطغى على ما كان يعرف في علم الاجتماع بالمكان الثالث؛ أي المكان الذي يلجأ إليه الإنسان بعد البيت (مكانه الأول) والعمل (مكانه الثاني)، وقد تمكنت هذه المنصات من فرض حضورها المؤثر في عالم السياسة والمال والعلاقات الاجتماعية، وكمصدر للمعلومات والأخبار على كافة شرائح المجتمع العمرية ومستوياته الثقافية، رغم تفاوت استخداماتها من شريحة إلى أخرى بحسب الفئة العمرية والمستوى التعليمي، (المقدادي، 2013م، 34).
وعلى الرغم من المميزات التي تتمتع بها منصات التواصل الاجتماعي في التعرف إلى القضايا الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وما تتركه من إيجابيات في تبادل الرأي والأفكار والمعلومات ومناقشتها حول القضايا المطروحة فإن تلك المواقع تعد سلاحاً ذي حدين فلها العديد من السلبيات التي أيضا يكون لها آثار سلبية على مستخدمي تلك المنصات وعلى المجتمع ككل، فالمجتمع الافتراضي الذى تشكله يفتقر إلى الرقابة مما يجعله ساحة لنقل كثير من المعلومات والمعتقدات الخاطئة التي يتأثر بها نسبة كبيرة من مستخدميه بصفة عامة والشباب بصفة خاصة لها نتيجة لما أشارت إليه معظم الدراسات السابقة التي أجريت على مواقع التواصل الاجتماعي؛ نظراً لأنها الفئة الأكثر استخداماً، (محمد، 2016م، 365).
ومع التطورات المتلاحقة في عالم الاتصال بوسائله المختلفة، فإن الدعوة إلى الدين باتت أحوج ما تكون إلى استخدام هذه الوسائل وبفاعلية لشرح مبادئ وقيم ومواقف الإسلام من القضايا المطروحة على الساحة في مختلف المجالات: الدينية، والسياسية والاقتصادية، والأخلاقية، والعسكرية، والإنسانية، وغيرها (بوكدرون وحاج قويدر، 2018م، 64).
ولأداء رسالة مطالب بها كل مسلم لنشر الدين الإسلامي والتوعية الصحيحة به، ويقصد بالوعي الديني ذلك الوعي الصحيح القائم على الركائز العقائدية القيمية الصافية، والاعتماد على الأفكار القوية الفعالة، كما يمنع الانحراف والانحياز والتطرف ويحول دون الارتجال والتذبذب؛ مما يجعل العلاقة بين المواطنين وقيادتهم علاقة تضامن وإيجابية، وهذا يسهم في تنمية الولاء والانتماء والاعتزاز الواعي والعميق بالوطن وبعقيدته وفكره وتراثه ومثله وقيمه، وهذا يزيد من تفعيل قيم المواطنة لدى الفرد، ونبذ قيم التعصب والتحيز بجميع أشكالها الطائفية والمذهبية والعرقية. حيث إن الوعي الديني يعد من أهم الوسائل الناجحة في مقاومة الآثار السلبية المنتشرة في المجمع (شريف، 2006م، 34).
وشباب المجتمعات العربية والإسلامية ومنهم الشباب الفلسطيني كغيره من المجتمعات الذي يتلقى الرسائل الإعلامية ويتأثر بها، ومن الملاحظ أن الإعلام الغربي يسعى بشكل مباشر إلى طمس مجتمعاتنا العربية والترويج إلى الثقافات الغربية وفي المقابل تشويه الدين والتراث الخاص بالمجتمعات العربية والإسلامية، وكذلك المكون العقائدي للهوية فإنه يتضرر كثيراً بفعل ما يقدمه هذا الإعلام من تشويه صريح وواضح ومقصود للدين الإسلامي وعباداته ومعتقداته وثقافاته، مما يؤدي إلي التشكيك في صحة عقيدة الشباب العربي والمسلم والتقليل من قيمتها.
الأمر الذي ربما يؤدي إلى ازدراء الذات، وانسلاخ الشباب عن مقومات هويتهم والارتباط بجماعات أخرى بديلة تحمل ثقافات مضادة لجماعات مرجعية في الثقافات والسلوك مما يعطيه أو يكسبه هوية أخرى بديلة لا تجد أي سند في وسطه الاجتماعي، فهذا الإعلام الغربي يسعى إلى هدم المرجعية الدينية ومن ثم سهولة اختراق عقول المسلمين وتوجيههم إلي أفكار بعيدة عن الدين الإسلامي وكذلك الأديان السماوية كالإلحاد.
وفي مقابل ذلك انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي الصفحات الدينية التي أتاحت بيئة خصبة لنشر وتبادل المعلومات الدينية بصورة غير مسبوقة، فظهرت تلك الصفحات وسيلة وسلاحاً غيوراً على الدين متبنياً قضايا الأمة من منظور ديني ومدافعاً عن الدين الإسلامي، وتحسين صورة الإسلام والمسلمين بطريقة حضارية والتعريف بالإسلام والرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والحملات الدعائية المغرضة، وزيادة الوعي تجاه المعاناة التي تعيشها الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية، وكوسيلة لدفع الشباب للتعريف بأمور دينهم ودنياهم وتوعيتهم بالقضايا المحيطة بهم سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا من منظور الدين الإسلامي (الذايدي، 2020م، 140).
فالوعي الديني لدى الشباب ينعكس بشكل أو بآخر على السلوك، ولأن العالم العربي ليس استثناء من هذه الظاهرة، فقد بات من الضروري دراسة فعالية هذه المنصات وتأثيراتها المتعددة على حياة المجتمع والإنسان العربي، وبشكل خاص فئة الشباب التي تمثل الشريحة الأهم والأكثر استخداما وتعرضا لتأثيرات تلك المنصات، ومن هنا كانت هذه ورقة العمل المعتمدة على المسح الأدبي للدراسات السابقة التي تتناول نفس الموضوع.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية